حوار مع السيد ادريس غالي الكتاني حول تحرير قطاع المحروقات
منذ تحرير أثمان المحروقات ببلادنا، قبل ثلاث سنوات عرف هذا القطاع تطورات مكنت الشركات من تحقيق أرباح استثنائية وصفت بغير الأخلاقية، وبصفتك مستشارا اقتصاديا سابقا ومهندس مسؤولا في قطاع التجارة والصناعة والطاقة سابقا كيف تتبعت مع وقع، وما هي الحلول التي ترى أنها ناجعة لاسترجاع هذه الأرباح؟
تابعت في وسائل الإعلام، عدة اقتراحات في الشهور الأخيرة وهناك بعض المخرجات التي طرحت في الأيام الأخيرة داخل البرلمان وهناك موقف الوزير المعني السيد لحسين الداودي الذي يناقض موقف رئيس الحكومة وأمين عام الحزب الذي ينتمي إليه، لكن معظمها تبقى بعيدة عن مطالب المستهلك الذي يشترط حمايته من طرف الدولة من تغول شركات التوزيع ويطالب في نفس الوقت و بإلحاح بإرجاعه ما أخذ منه من أرباح استثنائية قدرت بسبعة عشر مليار درهم حسب رئيس اللجنة البرلمانية السيد عبد الله بوانو وأكدها رئيس فريقه في البرلمان، دون أن تنفيه تلك الشركات بطريقة قطعية .
لكن الداودي نفى أن تكون تلك الشركات حققت أرباحا بهذا الحجم واقر أن لا ضرورة حاليا لوضع سقف لأثمان المحروقات مكتفيا بمراقبة تطورها عبر برنامج إلكتروني؟
تلك الأرباح الاستثنائية صرح بها رسميا رئيس اللجنة البرلمانية و الشركات المعنية لم تكذبها بطريقة قطعية.وقد تمت في ظروف مشبوهة توحي جليا بتواطؤ شركات التوزيع على حساب المستهلك ضدا على قواعد المنافسة النزيهة، وفي غياب اَي رقابة من الدولة .
وعلى كل حال هذا ما أهتدي إليه المقاطعون لاقتناعهم بهذا التواطؤ على حسابهم حيث قرروا متابعة مقاطعتهم لشركة « إفريقيا » التي تهيمن على سوق توزيع المحروقات، الى أن يتأكدوا من أن أرباح شركات التوزيع تبقي في حدود المعقول، وأن يستردوا ما أخذ منهم بطريقة غير معقولةً .
وتبقى تلك الأرباح المهولة في كل الأحوال غير أخلاقية وغير إنسانية ومرفوضة اجتماعيا وحتى دينيا لأنها تزيد الأغنياء غنى فاحشا على حساب الفقراء الذين يزدادون فقرا. وذلك بطريقة تناقض أساس التعاضد الذي جاء به ديننا الحنيف
ما الحل المجدي في نظركم للخروج من هذه الوضعية المعقدة؟ .
نظريا هناك حلول متعددة وهي تطبق جزئيا أو كليا وأحيانا بطريقة متكاملة في مناطق ودول متعددة عبر العالم، لكنني سأكتفي بالتذكير بما أجده ملائما لوضعية بلادنا في الظروف الحالية والمستقبلية :
الاقتراح الأول، هو تحرير قطاع توزيع المحروقات .
فمن الحلول الناجعة المطبقة في معظم دول العالم وخاصة العالم الحر هناك تطبيق مبدأ « حرية الإنشاء » le libre établissement كما هو الشأن بالنسبة لمعظم القطاعات الإنتاجية والتجارية والخدماتية، بحيث تكتفي الدولة بتحديد الإطار القانوني عبر قوانين ومساطر تنظيمية تأخد أحيانا شكل دفتر تحملات، يعطي لأي متدخل الحق في مزاولة المهنة في إطار الشروط المحددة دون الحاجة لأخذ رخصة مسبقة من الدولة. طبعا مع رقابة صارمة ومستمرة لتطبيق مقتضيات تلك القوانين لاحقا.
وهذا يخالف نظام الرخص المعمول به في بلادنا في هذا القطاع كما هو الشأن بالنسبة لقطاع النقل مثلا، هو أصلا من مخلفات الاستعمار الفرنسي التي كان في صالحه العمل بانتقائية حتى يحتكر قطاعات بعينها لصالح شركات ومتدخلين هو من يختارهم، وهذا هو النظام الذي يشخص أهم ركائز اقتصاد الريع، ونجده مازال هو الأساس في تنظيم قطاعات مختلفة ببلادنا مع كامل الأسف .
فلنتصور لو كان مسموحا لأي شركة مغربية، تتوفر فيها الشروط المطلوبة،أن تلج هذا القطاع المربح بمجرد احترامها لدفتر تحملات يضبط شروط مزاولة المهنة، لارتفع عدد الشركات بما يعيق أي تواطؤ بينها و لتوزعت الأرباح بين العديد من المتدخلين بدلا من حصرها في عدد محدود من الشركات والتي هي في معظمها من اختيار المستعمر قبل الاستقلال، ولما أعطيت مائة وثلاثين محطة إضافية في المدة الاخيرة لشركة افريقيا التي كانت أصلا تهيمن على القطاع.
لذلك أعتقد أن حرية التدخل والإنشاء تبقي أنجع نظام لمحاربة الفساد ووضع حد لاقتصاد الريع الذي ما فتئ حزب السيد الداودي يطالب به .فبدلا من تحرير الاثمان كان على الدولة أن تدافع عن تحرير قطاع توزيع المحروقات من نظام الرخص كمدخل رئيسي لتحرير الاثمان في مرحلة قادمة. وبهذا كانت الدولة ستضمن التنافس الحقيقي في صالح المستهلك بدلا من أن تسمح لشركات محدودة العدد بمتابعة احتكار القطاع وتطلق لها في نفس الوقت العنان في رفع الاتمان بدون سقف ولا رقابة .
وما هو الاقتراح الثاني؟
الثاني، هو خلق شركة وطنية لتوزيع المحروقات من طرف الدولة كأداة لضبط سعر السوق وبالتالي الحد من أي ارتفاع غير معقول قد يتم عبر تواطؤ شركات القطاع الخاص وجعلهم مرغمين على عدم تجاوزبنسب مرتفعة، الأسعار التي تحددها الدولة عبر تلك الشركة الوطنية التابعة لها. وهذا حل استعمل في مراحل سابقة وما زال مستعملا فِي دول مختلفة ولا مانع قانوني من تحقيقه وفي أقرب الآجال .
وماذا عن سياسة تحديد الأسعار؟
هذا هو المقترح الثالث، وهو نظام تحديد الاثمان من طرف الدولة كما كان قبل التحرير مع الإبقاء على حذف الدعم عن طريق صندوق المقاصة وهذا هو أدنى ما يطالب به المقاطعون .
هل نفهم أن رئيس الحكومة السابق ابن كيران لجأ لتحرير الأسعار دون ضمانات لحماية المستهلك؟
أعتبر أن الخطأ الفادح الذي أوقعوا فيه السيد ابن كيران هو عندما قدموا له ملف حذف دعم الدولة للمحروقات ، حيث كانت الفرصة سانحة لأن تنسحب الدولة من هذا الدعم دون أن يشعر المستهلك بالفرق نظرا لانخفاض اثمان السوق العالمية في تلك الفترة، لكنهم سيغتنمون تلك الفرصة لتمرير حذف مراقبة الاثمان كذلك تحت ذريعة تحرير القطاع. وانا اجزم انه لو لم تتخلى الدولة عن دورها في تحديد الأثمنة عند خروجها من دعم تلك المواد لما تمكنت الشركات الموزعة وعلى رأسها شركة افريقيا من تحقيق تلك الأرباح الخيالية في مدة وجيزة.
ماذا عن تسقيف الأسعار؟
نعم يمكن إبقاء الوضع كما هو مع تحديد سقف الأثمان كل شهر على ضوء أثمان النفط الخام العالمية مع تحديد هامش أرباح الشركات الموزعة (وذلك اضعف الإيمان ) ، فهو إذن حل بسيط وقابل للتطبيق فِي أقرب الآجال، دون العودة إلى نظام مراقبة الاثمان، وهو في نفس الوقت يترك للشركات حرية تحديد الاثمان داخل السقف، وهو الحل الذي أيده السيد العثماني رئيس الحكومة والذي رفضه صديقه في الحزب السيد الداودي رغم أنه يعمل مباشرة تحت رقابته.
هنا أشير إلى ضرورة ترسيخ نظام تحديد السقف ب
طريقة قارة عن طريق مرسوم لرئيس الحكومة وليس بمجرد منشور محدود الزمن كما جاء في كلام السيد الداودي موخرا
لكن حتى هذا الحل لا يحمي المستهلك في حالة ارتفاع الأثمان العالمية لمستويات عالية؟
كنت ولا زلت أدافع عن ضرورة وضع سقف أقصى متفق عليه من طرف الدولة لا يمكن تجاوزه في كل الحالات وكيفما كانت تقلبات الأسواق العالمية للنفط ما دامت الدولة لم تعد تدعم هذه المادة الحيوية ولم تعد تحدد أثمانها.
فمن البديهي أن المستهلك ليس بإمكانه أن يتحمل مواكبة ارتفاع الأثمان العالمية بدون سقف أقصى خاصة إذا تعد ي سقف الكازوال مثلا تلاتة عشرة درهم وهو احتمال وارد وقد يحدث حتى على المدى القصير،نظرا للتقلبات المنتظرة في التعاملات الدولية
لذلك اقترح على الدولة أن تعلن مسبقا عن هذا السقف الأقصي الذي لا يمكن تجاوزه بالنسبة للمستهلك،على أن تغطي هي ما فوق هذا السقف الأقصى من خلال خفض الرسوم التي تقتطعها مباشرة كضريبة على استهلاك المحروقات..
فإذا قبل المستهلك مرغما بتخلي الدولة عن دعم هذه المواد الأساسية بالنسبة له، فأقل ما يمكن أن يطالب به هو أن تدعمه الدولة عندما يصبح عاجزا عن مواكبة ارتفاع ثمن النفط الخام والمحروقات عالميا.
لذلك اقترح على حكومة السيد العثماني أن تعلن من الان عن ذلك السقف الأقصى حتى تطمئن المستهلك وتجعله يقبل بمقترحها الهادف إلى متابعة تحرير الائتمان -داخل السقف الشهري المحدد
من أسباب مقاطعة شركة افريقيا بصفتها المهيمنة على قطاع المحروقات هناك تحقيقها أرباحا استثنائية غير معقولة وكدالك الشأن بالنسبة للشركات الأخرى ؟ كيف يمكن استرجاع هذه الأرباح؟
الحل الذي أراه منصفا وعادلا وسهل التطبيق والذي يلبي طلب المستهلك كشرط أساسي لوضع حد للمقاطعة، هو أن تقوم كل شركات المحروقات بإعادة الأرباح الاستثنائية التي حققتها فوق أرباحها العادية منذ رفع الدعم الي المستهلك مباشرة ، عن طريق حذف درهم واحد من ثمن السقف التي تحدده الدولة شهرا بشهر، على أن تدوم هذه العملية إلى أن تغطي القيمة الإجمالية لتلك الاقتطاعات، مجموع الأرباح الاستثنائية التي حققتها تلك الشركات.
بهذه الطريقة سيسترجع المستهلك مباشرة،أقول مباشرتا، ما أخذ منه وبنفس القيمة الإضافية التي حققتها الشركات ، أي باسترجاع درهم عن كل لتر بالنسبة للكازوال و بقيمة مماثلة يتفق عليها بالنسبة للمحروقات الأخرى ،
وهو مقترح متوازن يرد الاعتبار للدولة التي استهزء بها ، ويمكن المستهلك من استرجاع ما أخذ منه ظلما في غفلة من رقابة الدولة ويسمح لشركة إفريقيا بالعودة إلى ظروف العمل العادية.وفي نفس الوقت يجعل الشركات الأخرى التي استفادت من مقاطعة أفريقيا مجبرة على أن تعيد للمستهلك ما اخدته منه بطريقة غير معقولة هي كدالك
اقترح حزب الأصالة والمعاصرة في مجلس النواب أن تقوم الدولة بخفض ثمن المحروقات عن طريق خفض درهم واحد للتر عن طريق اقتطاعه من الضريبة التي تفرضها على استهلاك المحروقات؟ .
هذا اقتراح مجحف في حق الدولة وفي حق المستهلك وفي حق المواطن ، فهل يعقل أن يقوم نواب الأمة، كيفما كان انتماؤهم السياسي، بمطالبة الدولة أن تقوم بإرجاع للمستهلك ما أخذته منه الشركات ظلما وعدوانا؟ فهم باقتراحهم هذا يضمنون لشركات توزيع المحروقات الاحتفاظ بما أخذوه من جيوب المغاربة في ظروف مشبوهة وفي نفس الوقت يطالبون الدولة بتعويض المستهلك نيابة عن تلك الشركات تحت ذريعة الدفاع عن المستهلك.
بخصوص تسقيف أسعار المحروقات فهو سهل التطبيق لكن يبدو أن شركة افريقيا ربما ترفضه ، لأنها ولحد الساعة تعطي انطباعا علي أنها غير معنية بالمقاطعة و بكل ما يروج حول الموضوع؟
فعلا، واضح ان هده الشركة باتت تراهن على الزمن حتى تضطر الدولة لإيجاد مخرج نيابة عنها وحتى يتم تراجع تدريجي لتلك المقاطعة، وكأنها لا تعطي اَي اعتبار لمطالب المستهلك في استرجاع ما أخذ منه في غفلة من رقابة الدولة. وكأنها لا تهتم إلا بالكسب المتوحش على حساب المواطنين، هذا في الوقت الذي قامت فيه شركة سنطرال للحليب بمراجعة ذاتية لإثمانها متجاوبة في ذلك مع مطالب المستهلك ولو جزئيا .
علي السيد اخنوش مالك شركة افريقيا أن يعيد حساباته على أسس تشمل كل المعطيات الواجب إدراجها وأخذها بعين الاعتبار. فمن الناحية الوطنية فهو مطالب بالحفاظ وصيانة ولو جزء من سمعة أبيه المرحوم والحاج الذي كافح المستعمر في مرحلة الحماية الفرنسية دفاعا عن حقوق هذا الشعب في الحرية والعيش الكريم .فأبوه كان يسخر جزء من إمكانياته المالية لدعم عائلات الوطنيين من داخل سجنه كما روي لي المرحوم عبد الكريم الفلوس الذي قاسمه السجن .
ومن الناحية المادية اذكره بما راكمه من أموال طائلة في مدة وجيزة. هذا بالإضافة إلى الجاه والسلطة التي مكنته من حماية وتقوية شركاته المتعددة الاختصاصات.
أما من الناحية السياسية فإن استمرار هذه الوضعية التي تعتبر من طرف المقاطعين تحديا لهم واستهزاء بمطالبهم، فمن المتوقع أن تضع حدا مبكرا لطموحاته السياسية التي ما زال يعلن عنها في مهرجانات متعددة والتي توحي انه لازال يهدف من خلالها إلى ترأس الحكومة القادمة. وأنا اقترح عليه كمخرج من هذه الوضعية المعقدة التي قد تتفاقم إذا لم يأخذ بزمام المبادرة، مثلما قامت به شركة سنطرال للحليب على أساس خفض الأثمان، أن يتبنى هو هذا الحل ولم لا ان يقدمه بنفسه إلي الشعب المغربي بمبادرة من طرفه للإسهام في تمكين الاستقرار لهذا البلد الأمن على أساس عادل، هذا اذا كان يريد الخير لهذا الوطن واذا كان يؤمن بشىء اسمه العدالة الاجتماعية .
ادريس غالي الكتاني مهندس-رئيس ومستشار اقتصادي وسفير سابقا