قصتي مع المدرب فاريا بجريدة أخبار اليوم في 24 حلقة
قصتي مع المدرب فاريا
تقديم
جريدة أخبار اليوم: الثلاثاء 03 يوليوز 2018
عدد: 2635
إدريس الكتاني: هكذا كلفني الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي
يكشف ادريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، أول مرة لـ « أخبار اليوم »، تفاصيل مثيرة عن قصة تكليفه من لدن الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وما رافق ذلك من تعقيدات.
عبد الحق بلشكر
بالتزامن مع مونديال روسيا 2018، مازال المغاربة يتذكرون الإنجاز الكبير الذي حققه المنتخب الوطني في نهائيات 1986 بالمكسيك. فقد كان أول فريق وطني عربي إفريقي، وحتى آسيوي، يمر إلى الدور الثاني في نهائيات كأس العالم على رأس مجموعتة. قائد هذا الفريق هو البرازيلي المهدي فاريا خوصي فاريا قبل أن يعلن إسلامه في المغرب). لكن لم يسبق أن نشرت قصة ظروف اختياره، ومن كان وراء البحث عنه وإقناعه بتدريب فريق الجيش الملكي وبعدها المنتخب الوطني. إنه المدرب البرازيلي الذي عشق المغرب، وعاش فيه منذ قدومه إليه سنة 1983، وتوفي فيه في ظروف محزنة سنة 2016.. إنها قصة مثيرة يرويها ل«أخبار اليوم» السفير المغربي السابق في الكويت، إدريس الكتاني، الذي يقول إنه لم يروها منذ 35 سنة. تقلد الكتاني عدة مهام ذات طابع اقتصادي وسياسي منذ أواسط الستينات، لكن الأقدار جعلت الحسن الثاني يقلده مهمة تخص قطاع الرياضة الذي لم يكن من صميم تخصصه. من مواليد فاس في مارس 1943، تخرج من المدرسة المحمدية للمهندسين سنة 1965، والتحق بالإدارة العمومية مهندسا متخصصا في دراسات المشاريع الصناعية في وزارة التجارة والصناعة، وتدرج في عدة مسؤوليات قبل أن يشغل منصب مدير ديوان وزير الصناعة والتجارة، عبد اللطيف الغيساسی، سنة 1975-1974، كما عين مندوبا للمغرب في اللجنة الدائمة الاتحاد المغرب العربي ومقرها بتونس أواخر 1975، ليعود إلى المغرب سنة 1977، حيث ترأس الشركة المغربية الألمانية لتسيير معامل السكر المغربية، ثم شغل منصب مستشار اقتصادي ضمن البعثة الدائمة للمغرب لدى الأمم المتحدة في نيويورك ابتداء من سنة 1981. خبرته الاقتصادية جعلته يكون ضمن 20 مستشارا اقتصاديا، تقرر تعيينهم سنة 1982 في سفارات المغرب في الخارج، وهنا ستبدأ قصته مع المدرب فاريا وقبله جايمي فالانتي. يروي الكتاني أنه استدعي في غشت 1982 إلى القصر الملكي، رفقة بقية المستشارين، لتقديمهم للملك الراحل الحسن الثاني، وعندما نودي عليه وذكر الاسم والدولة التي س يتوجه إليها (إدريس الكتانی.. ريو ديجانيرو)، تركز نظر الحسن الثاني عليه، وسأله: «هل لك اهتمام بكرة القدم»؟ فرد: «نعم»، ثم سأله مرة أخرى: هل تابعت نهائيات كأس العالم الأخيرة؟» وكان لم يمض على نهايتها بإسبانيا إلا بضعة أسابيع)، فأجاب «نعم». فقال له الحسن الثاني: «في رأيك، ما هو أحسن فريق في هذا المونديال»، فرد السيد الكتاني: الفريق البرازيلي»، فكان تعليق الملك: «هذا هو رأيي أنا كذلك»، وتابع قائلا: «أول ملف ستعمل عليه، بمجرد التحاقك بمقر عملك في البرازيل، هو أن تجد لنا مدربا جيدا جيدا للفريق الوطني». كان الوزراء والمستشارون الملكيون الذين حضروا حفل الاستقبال يتابعون باندهاش ما يجري، ويتساءلون في قرارة أنفسهم: «لماذا يكلف الملك مستشارة اقتصاديا بالبحث عن مدرب لكرة القدم؟ ولماذا غيب دور وزارة الشباب والرياضة والجامعة الملكية لكرة القدم في هذا المسعى؟». في هذه الحلقات المثيرة سيروي السيد الكتاني كيف بدأ يبحث عن المدرب فور وصوله إلى ريو دي جانيرو، وعن الصعوبات التي واجهها مع س فير المغرب ببرازيليا، ومع عدة جهات حكومية، وسيكشف ظروف اقتراح المدرب البرازيلي جايمي فالانتي، الذي شكل النواة الأولى لفريق مونديال مکسیکو 1986، قبل أن يختفي فجأة دون س ابق إنذار، وكيف انتقل تدريب المنتخب الوطني إلى المدرب المهدي فاريا الذي كان مرشحا في البداية لتدريب فريق الجيش الملكي بطلب من الراحل الحسن الثاني. المهدي فاريا، المدرب الذي أتى «مكرها» إلى المغرب، قبل أن يحقق أكبر إنجاز مع المنتخب المغربي ومع فريق الجيش الملكي.
الحلقة الأولى
جريدة اخبار اليوم: الأربعاء 04 يوليوز 2018
إدريس الكتاني: هكذا كلفني الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي
– هل يمكن أن تحدثنا عن دورك في اختيار المدرب البرازيلي المهدي فاريا في الثمانينات ؟
– نتذكر جميعا بافتخار الملحمة الرائعة التي أنجزها فريقنا الوطني في نهائيات 1986 بالمكسيك، حيث دخل المنتخب المغربي التاريخ الكروي من بابه الواسع، فكان أول فريق وطني عربي إفريقي وحتى آسيوي يمر إلى الدور الثاني في نهائيات كأس العالم وهو يترأس مجموعته، بعدما تعادل مع بولندا ثم مع إنجلترا، وفاز على البرتغال في تلك الملحمة الخالدة بثلاثة أهداف لواحد. ويتذكر جميع من عايشوا تلك المرحلة أن من قاد، ذاك الفريق المتميز هو المهدي فاريا، المدرب البرازيلي. وجوابا عن سؤالك، أقول، أولا وللتاريخ، إن المرحوم المهدي فاريا ليس هو من شكل ذاك الفريق الرائع، لكنه هو من صقله وأتقن توجيهه، مع إدخال بعض الإضافات على تشكيلته. لكن الفضل في تكوين العمود الفقري لذلك الفريق يعود إلى الناخب البرازيلي الذي سبقه بأقل من س نة، والذي فاز مع هذا الفريق بكأس الألعاب المتوسطية التي نظمت بالمغرب سنة 1983، واسمه جايمي فلانتي. طبعا هذا لا يقلل إطلاقا من دور المرحوم المهدي فاريا في تحقيق تلك النتائج المذهلة مع فريقنا الوطني وحتى مع فريق الجيش الملكي.
– كيف حدث ذلك؟
– هذه قصة غريبة عشت تفاصيلها ولم أروها منذ أزيد من خمس وثلاثين سنة.
– لماذا لم تروها من قبل؟
– لا أعلم بالضبط، ربما لأنني تعاملت مع هذا الملف كأي ملف كلفت به بصفتي موظفا يعمل في دواليب الدولة، ربما لأنني كنت أعتقد أنه ليس من حقي، ولو أخلاقيا، أن » أنشر معلومات عن ملف من ملفات الدولة التي أنجزت بتعليمات ملكية غير معلنة. لكنني اليوم، وبعد مرور ما يقرب العقدين من الزمن على وفاة المغفور له الحسن الثاني، أشعر بأنه يجب نشرها لتوثيق هذا الحدث الذي كثيرا ما نسبت نتائجه إلى من لا علاقة له بإنجازها.
وها أنا أجزم اليوم بأن الفضل كل الفضل في نتائج مكسيكو 1986 يعود بالدرجة الأولى إلى الحسن الثاني، الذي خطط لتلك النتائج أربع سنوات قبل حدوثها، عندما أصر على أن يكون المدرب الوطني من البرازيل، في الوقت الذي كانت فيه كتابة الدولة في الشبيبة والرياضة والجامعة الملكية لكرة القدم تفضلان التعاقد مع مدرب أوروبي، ولم تقبلا بالاختيار الملكي إلا مرغمتين. وكم سمعت وقرأت من تعاليق وأخبار خاطئة حول الأدوار الطلائعية التي لعبتها تلك الجهات في اختيار المهدي فاريا، وفي نتائج مونديال مکسیکو 1986، في حين أن العكس هو الصحيح، كما سأرويه لكم بالتفاصيل، وأثبته بالأدلة المكتوبة.
– ماذا حدث بالضبط؟ وكيف جرى اختيار هذين المدربين البرازيليين؟
– ما حدث هو التالي، في شهر غشت من سنة 1982، استقبل المغفور له الحسن الثاني وفدا من المستشارين الاقتصاديين بهدف تعيينهم في كبريات السفارات المغربية. وكانت هذه المرة الأولى والأخيرة التي يعين فيها شخصيا مستشارين اقتصاديين بصفة استثنائية. كنا، إذن، في حفل استقبال في الديوان الملكي، حيث كان رجال التشريفات يقدمون هؤلاء المستشارين الاقتصاديين إلى الملك حسب مقر تعيينهم (باريس، مدريد، لندن، طوكيو، نيويورك، بروکسیل، دلهي… الخ). وعندما جاء دوري، حيث كنت مرشحا للبرازيل والأرجنتين انطلاقا من مدينة ريو دي جانيرو، حدث شيء غير منتظر، حيث شد جلالة الملك مطولا على يدي بعد تهنئتي، وقال بشيء من الإعجاب: ريووو!.. السامبا!». فوجئ الحاضرون، وكانوا خمسة وزراء على ما أذكر، المرحوم امحمد بوستة وزير الدولة في الخارجية، والسيد المحجوبي احرضان وزير الدولة المكلف بالتعاون، وعبد اللطيف الجواهري وزير المالية، وعز الدين كسوس وزیر التجارة والصناعة والسياحة، والطيب بن الشيخ الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالشؤون الاقتصادية، وعدد من كبار المسؤولين بالديوان الملكي، ضمنهم السيد رضا كديرا مستشار جلالة الملك.
أقول فوجئ الحاضرون بجلالة الملك وهو يسألني: هل لك اهتمام بكرة القدم؟»، فأجبت بالإيجاب، فقال: «هل تابعت نهائيات كأس العالم الأخيرة؟ (وكان لم يمض على نهايتها بإسبانيا إلا بضعة أسابيع)، فأجبت بالإيجاب كذلك، وإذا به يسألني عن أحسن فرقة ضمن الفرق المشاركة في تلك النهائيات، حسب رأيي، فقلت دون تتردد «الفريق البرازيلي» (رغم أن هذا الأخير أقصى في نصف النهاية). فكان جوابه رحمه الله: «هذا هو رأيي أنا كذلك، لذلك، فإن أول ملف ستعملون عليه بمجرد التحاقكم بمقر عملكم في البرازيل هو أن تجدوا لنا مدربا جيدا جدا للفريق الوطني». قالها بالفرنسية
(Trouvez nous un très bon entraîneur pour l’équipe nationale). *
الحلقة الثانية
جريدة أخبار اليوم: الخميس 05 يوليوز 2018
الكتاني: خلفيات سياسية وراء حرص الحسن الثاني على جلب مدرب برازيلي
يكشف ادريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، أول مرة لـ « أخبار اليوم »، تفاصيل مثيرة عن قصة تكليفه من لدن الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وما رافق ذلك من تعقيدات.
عبد الحق بلشكر
– لماذا كلفك الملك بهذا الموضوع بدلا من الجهات المختصة، غريب هذا الأمر؟
– هذا ما حير جميع الحاضرين وأنا أولهم، لأن هذا العمل يدخل في اختصاص الجامعة المغربية لكرة القدم تحت إشراف وزارة الشبيبة والرياضة في حين أنني كنت مرشحا للقيام بمهمة في المجال الاقتصادي لا علاقة لها بالرياضة.
– وهل علمت لاحقا ما كان وراء هذا التكليف العجيبة ؟
– سأقص عليك لاحقا ما علمته من المرحوم الكولونيل بلمجدوب حول سر هذا اللغز. لكن قبل ذلك أريد أن أشير إلى جزئية، زادت من اندهاش الحاضرين، هي أنه بعد تقديمي لجلالة الملك، أراد الوزير الطيب بن الشيخ الحديث عن المشاريع التي كلفت بها، قائلا: «اسمح لي يا جلالة الملك، لقد كلفنا السيد الكتاني بملفات اقتصادية كبرى نأمل أن تنجز في إطار التعاون مع دولة البرازيل». وعندما أراد الشروع في الحديث عنها قاطعه جلالة الملك قائلا: «اخلاااص»، وعاد لإتمام الحديث عن موضوع المدرب. هذه الجزئية لها دلالتها، فهي تكشف مدى اهتمام الحسن الثاني بموضوع الرياضة، وتشبثه بفكرته الهادفة إلى استقدام مدرب برازيلي للفريق الوطني.
– وما هي تلك المشاريعالتي كلفت بها؟
– كان هناك مشروع «سد المجاعرة» (سد الوحدة لاحقا)، وهو أكبر سد في المغرب، ومشروع خط السكة الحديدية بين مراكش والعيون الذي كان يدخل ضمن أولويات الحسن الثاني في تلك الفترة، ومشروع استخراج واستغلال النفط الصخري بالمغرب، وإعادة فتح السوق البرازيلي للفوسفاط والحامض الفوسفوري المغربي…
والغريب في الأمر أن إحدى كبريات الشركات التي اهتمت بإنجاز مشروع سد المجاعرة وخط السكة الحديدية مراكش- العيون، واسمها هیدروسیرفیس hydroservice من ساوبولو، والتي كانت مصنفة الرابعة عالميا في ميدان الأشغال الكبرى، هي التي ستقدم لي أهم مرشح لتسيير الفريق الوطني، كما سأقص عليك ذلك لاحقا، والذي سأجعله على رأس لائحة المرشحين، لأنه اختير في تلك السنة أحسن مدرب في البرازيل. وأنا حينها ما كنت أتوقع أن عملي في المجال الاقتصادي سيساعدني في إنجاز تلك المهمة الرياضية. فهل كان الحسن الثاني، الذي كان يربط بين السياسة والرياضة، قد فطتن أيضا إلى علاقة الاقتصاد بالرياضة، أم هي مجرد صدفة غريبة؟
– إذن، أنت ترى أن هناك علاقة بين السياسة والرياضة؟
– طبعا، فقرار الحسن الثاني، حسب ما سأفهمه لاحقا، والهادف إلى إسناد مهمة تدريب الفريق الوطني إلى مدرب برازيلي من مستوي عال، لم يكن نابعا فقط من إعجابه بالفريق البرازيلي في نهائيات إسبانيا، بل أعتقد أن له خلفياته ودوافعه السياسية.
– كيف ذلك ؟
– لم أفهم تلك الدوافع غير المعلنة إلا بعد مرور أربع سنوات، عندما تحدث العالم الكروي بإعجاب كبير عن إنجاز فريقنا الوطني في مكسيكو 1986، والذي فاق كل التوقعات، بقيادة مدرب برازيلي، حيث أدركت أن تدخل الحسن الثاني المباشر في اختيار المدرب الوطني منذ سنة 1982 كانت دوافعه سياسية بالأساس.
– هل يمكن أن تشرح أكثرهذه الدوافع السياسية ؟
– النتذكر التوتر والندية اللذين كانا يطبعان العلاقات المغربية الجزائرية في تلك المرحلة. ولنتذكر كذلك ما حدث في نهائيات إسبانيا سنة 1982. ففريقنا لم يكن مشاركا في تلك التصفيات، في حين كانت الجزائر تتوفر على فريق وطني عالي المستوى، والذي خلق الحدث البارز في تلك التصفيات، حيث تغلب على ألمانيا الغربية رغم أنها س تصل إلى مباراة النهاية وكاد يمر إلى الدور الثاني لولا ما تحدثت عنه معظم وسائل الإعلام العالمية آنذاك من «تواطؤ؟» بين ألمانيا والنمسا في مباراتهما الأخيرة. أتذكر أن هذا الحدث خلق تعاطفا عالميا مع الجزائر، إلى درجة جعلت فدرالية فيفا تغير قانونها، وتفرض إجراء المقابلات الأخيرة في تصفيات المجموعات في التوقيت نفسه.
حدث هذا، إذن، في الوقت الذي كانت الأجواء السياسية مع الجزائر مازالت مكهربة، وكان جرح مباراة المغرب والجزائر التي خسرناها بخمسة أهداف لواحد بالدار البيضاء في أواخر سنة 1979 مازال عالقا في الأذهان، خاصة أن الحسن الثاني واكب تحضير تلك المباراة بطريقة مباشرة، كما سيتضح لاحقا. إذن، أجد من الطبيعي أن يضع الحسن الثاني نصب عينيه، وهو المعروف لدى المقربين منه بقدرته الفائقة على البرمجة الاستباقية للأحداث، ضرورة التأهل إلى مونديال 1986 منذ تلك المرحلة، وأن يلعب المغرب في التظاهرة أدوارا متميزة تعيد إلى فريقنا الوطني بريقه وهيبته، وتغطي على ما سبق من ترد وخيبة أمل، وهذا ما حدث بالفعل في نهائيات مكسيكو 1986، عندما أشادت معظم وسائل الإعلام العالمية بنتائج فريقنا الوطني الذي تزعم مجموعته رغم صعوبتها، والمتكونة من بريطانيا وبولونيا والبرتغال، والذي اختير حارسه الرائع بادو الزاكي ضمن التشكيلة المثالية لتلك البطولة العالمية. ورغم مشاركة الفريق الوطني الجزائري في تلك النهائيات، فقد كان فريقنا الوطني هو من صنع الحدث البارز.
الحلقة الثالثة
جريدة اخبار اليوم: الجمعة 06 يوليوز 2018
الكتاني: رؤية استباقية للحسن الثاني.
يكشف ادريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، أول مرة لـ « أخبار اليوم »، تفاصيل مثيرة عن قصة تكليفه من لدن الحسن الثاني بالبحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وما رافق ذلك من تعقيدات.
عبد الحق بلشكر
– لنعد إذن، إلى ظروف تنفيذكم تلك التعليمات الملكية وكيف تمكنت من تنفيذ مهمة لا تدخل في اختصاص عملك؟
– قبل أن أتحدث عن مجريات الأحداث في هذا الملف، اسمح لي أن أذكر بالأجواء والتعاليق التي راجت آنذاك في بعض الأوساط الرياضية المعنية، والتي توقعت لي الفشل الذريع في تلك المهمة. لقد سمعت كلاما قاسيا في حقي، قبل وبعد التحاقي بمقر عملي، من بعض المسؤولين، سامحهم االله، من قبيل: «هذا لعب الدراري»، و«آش جابك انت للكرة حتى تعرف تختار مدرب للفريق الوطني؟»، وكأنني أنا من طلبت أو اقترحت على جلالة الملك أن أقوم بهذه المهمة، أو أنه كان بوسعي أن أرفض تطبيق تلك التعليمات الملكية.
أما سفيرنا ببرازيليا -سامحه االله وغفر له- والذي كنت أمل أن يساعدني في هذا الملف، فقد حاول بالعكس أن يثنيني عن إنجاز تلك المهمة قائلا: «اش جابك تتكلف بهاد الموضوع وأنت بعيد عليه كل البعد؟».
– وهل صحيح أنك كنت بعيدا عن عالم الكرة والرياضة؟
– لا، طبعا، فقد كنت منذ صغري، ومازلت، من المولعين والمتقنين لهذه اللعبة. لقد لعبت كرة القدم في أوائل الستينات مع لاعبين بارزين، منهم من كان يلعب في الفريق الوطني ک«علي»، الجناح الأيمن لفريق الراك البيضاوي، والمرحوم «طاطوم»، فنحن الثلاثة ننتمي إلى الحومة نفسها، أي درب السلطان بالدار البيضاء، وفيما بعد مع المرحوم المعجزة والظاهرة الفريدة «عبد الرحمان الخالدي» الذي حاز كأس العرش ثلاث مرات متتالية مع فريقه الكوكب المراكشي في أوائل الستينات، حيث كناندرش معا في المدرسة المحمدية للمهندسين »
من جهة أخرى، فاهتمامي بكرة القدم جعلني انسج علاقات خاصة ومتميزة مع بعض مسيري هذه اللعبة، أذكر من بينهم الكولونيل بلمجدوب، والجنرال باموس رحمهما الله، واللذان ترأسا الجامعة الملكية لكرة القدم في مراحل مختلفة، بعدما قاما بأدوار متميزة مع فريق الجيش الملكي.
– عشت إذن أحداثا رياضية قبل تكليفك بمهمة العثور على مدرب برازيلي، هل يمكن أن تحدثنا عنها؟
– نعم، لأن ما سأسرده عليك يتضمن ش هادة للتاريخ كان علي أن أدلي بها منذ عدة سنوات، وقد أكون الوحيد الذي بإمكانه تقديم هذه الشهادة في حق المرحوم الكولونيل بلمجدوب الإبراء ذمته بخصوص انهزام فريقنا الوطني أمام الفريق الجزائري بالدار البيضاء سنة 1979.
– هل تعتقد أن المرحوم بلمجدوب لم يكن هو المسؤول عن تلك الهزيمة؟
– بالطبع، خاصة أني عشت ما يثبت ذلك، فقد جاءت تلك المباراة في أجواء سياسية مكهربة، كما قلت سابقة، بسبب الصراع الذي بلغ أوجه بين البلدين. المقابلة أخذت إذن أبعادا سياسية فائقة الحساسية على الصعيدين الشعبي والرسمي. خسر المغرب بة أهداف مقابل 1، في عقر عاصمته الاقتصادية وأمام ملعب مملوء عن آخره، فجرى تحميل المسؤولية للكولونيل بلمجدوب عن الهزيمة من طرف بعض المنابر الإعلامية وحتى من بعض المسؤولين، انطلاقا من قرار إعفاء الجامعة المغربية لكرة القدم التي كان يترأسها المرحوم بلمجدوب آنذاك، في حين أنه لم يكن بيده أي قرار في ما يخص هذه المباراة، ومع ذلك بقي صامتا إلى أن توفي رحمه االله سنة 2008، دون التبرؤ مما نسب إليه، لسبب لا يمكنني سرده.
لكنني اليوم، وبعد مرور ما يناهز أربعين سنة على هذه المباراة المذلة أدلي بهذه الشهادة التي تبرئه من أي مسؤولية عن نتائجها غير المتوقعة واللامفهومة. فما حدث هو التالي: ذهبت للقاء السيد بلمجدوب في نادي الأولمبيك للتنس، الذي اعتدت مجالسته فيه، يوما قبل تلك المقابلة المشؤومة، وسألته عن الأجواء وعن تخميناته بالنسبة إلى نتيجة المباراة. فصمت مطولا واكتفى برفع يديه.
وعندما سألته عن إمكانية حضوري أطوار المقابلة، طلب مني أن التحق به في «فندق لاسمیر» في المحمدية، حيث كان يتجمع الفريق الوطني، على أساس مرافقته إلى الملعب. لم أدرك سبب اقتراحه هذا إلا بعد المباراة، وكأنه أراد أن أكون شاهدا على الحدث.
الحلقة 3 تتمة (لم تنشر)
هذه الحلقة لم تنشر في جريدة أخبار اليوم ربما لما قدمت فيها من معلومات تبرئه من مسؤولية خسارة المغرب أمام الجزائر بخمسة لواحد.
سؤال: وهل قمت بزيارة الكولونيل بلمجدوب في فندق لاسامير كما طلب منك ؟
جواب: نعم، ذهبت في الموعد، فوجدته جالسا في ردهة الفندق لوحده في موقف غريب، طلب مني الجلوس بجانبه وكنت أرى اللاعبين يتحركون في الفندق غير عابئين بحضوره، وفجأة ظهر المدرب « كليزو » وهو متجها إلى درج الفندق، وفي طريقه مر بنا، فتجاوزنا ثم عاد إلينا وأخرج ورقة من جيبه قائلا للمرحوم بلمجدوب » هذه مون كولونيل التشكيلة التي سنلعب بها » سلمها له وغادر.. تبين لي بالواضح أن الكولونيل لا رأي له في التشكيلة، وبمجرد أن اطلع هذا الأخير على الأسماء في اللائحة، بدا عليه القلق والتوتر، فقلت له « ماذا يحدث مون كولونيل ؟ » فرد بانفعال شديد « هذه كارثة »، فاستغربت من ذلك كونه رفض التعليق عن المباراة سابقا حيث كان يكتفي برفع يديه كل مرة أسأله، لكن هاته اللائحة أخرجته من صمته حيث قال ملاحظا بلهجته الغرباوية المعهودة، فهو من مواليد سيدي قاسم « شي وحدين فهاد اللائحة ما ندخلهمش حتا من الشتا عساك نلعبهم في مباراة مصيرية ك هاذي » ثم أردف منزعجا « الله يدوز هذا النهار بخير، شوف أ السي ادريس رجع للرباط وتابع المباراة من التلفزة في بيتك » وحينما حاولت أن أفهم لماذا قال « أتوقع هزيمة كبيرة للمنتخب قد يترتب عليها شيء خطير في الدارالبيضاء. »
فعملت بطلبه وعدت للرباط حيث تابعت المقابلة على التلفزة، وحدث ما توقعه بالضبط من حيث النتيجة، لكن والحمد لله لم تقع أحداث شغب خطيرة بعد المباراة.
سامح الله كل المعلقين والمسؤولين الرياضيين وغير الرياضيين الذين حملوه مسؤولية تلك النتيجة، كونه كان في تلك الفترة يتحمل مسؤولية رئيس الجامعة وكون هذه الأخيرة قدمت استقالتها مباشرة بعد تلك المباراة. ومن يعلم؟ ربما طلب منه تقديم استقالته حتى يعطي انطباع انه المسؤول الأول عما حدث. في حين عرفنا لاحقا أن تلك اللائحة التي قدمها المدرب كلوزو للسيد بلمجدوب هي التي أحظرها معه بعد عودته في طائرة هليكوبتر من القصر الملكي بالصخيرات ساعات قليلة قبل المباراة، وما زاد من حصرتي هو ما لاحظته من استهتار بالكولونيل بلمجدوب من طرف هذا المدرب كلوزو، رغم ان الكولونيل هو من أنقذ حياته في انقلاب الصخيرات في يونيو 1971 حيث كنت شاهدا على ذلك.
ففي انقلاب الصخيرات يوم عشرة يوليوز سنة 1971 وفِي وقت الذروة حيث يتساقط الحاضرون بالعشرات تحت القصف العشوائي العنيف كنّا مطوقين ورافعين الأيدي الى السماء، فسمعت صوت من وراءي يقول لأحد الجنود الطلبة وهو رافع يديه « أنا الكومندار بلمجدوب (او الكولونيل ؟) لا اتذكر، اطلب منك ان تأتي بكأس ماء وتقدمه إلى السيد الذي أمامك حتى يتمكن من أخد دوائه، وعند امعاني في الشخص المعني تعرفت على السيد كلوزو وهو يلهث، وكأن قلبه على وشك التوقف. وسأعرف لاحقا ان السيد كليزو كان مريض بالقلب حيث سيتوفى اثر عملية جراحية اجريت له على القلب بأميركا بتمويل من الملك الحسن الثاني في أوائل التسعينات. باختصار كنت شاهدا على جرأة المغفور له بلمجدوب في هذا التدخل حيث كان يطلق النار على كل أحد يتحرك أو يتكلم (للعلم لقد اطلق النار علي سفير بلجيكا لأنه حاول اخبار المتمردين انه سفير أجنبي )
وها هو السيد كلوزو أصبح يأخذ تعليماته مباشرة من القصر الملكي وينجزها بتنسيق كامل مع المرحوم ادريس البصري. هذه شهادة للتاريخ في حق المغفور له السيد بلمجدوب، ذلك الرجل المغوار الذي عرفت فيه الاستقامة والشهامة وحسن الخلق.
سؤال: ماذا يمكنك أن تخبرنا أيضا عن الكولونيل بلمجدوب؟
جواب: طبعا تاريخ الكولونيل مشرف للغاية، ففي مرحلة تحمله مسؤولية المدير التقني والناخب الوطني في أواسط السبعينات، فاز المنتخب المغربي، الذي كان تحت مسؤولية المباشرة، لأول وآخر مرة بكأس إفريقيا سنة 1976 بأديس أبابا، وهو الفريق الذي لعب فيه الرائع فرس، وحصل في ذلك العام على الكرة الذهبية في افريقيا.
وهنا سأروي لكم حادثة وقعت في أواخر 1975، حيث جاء المرحوم الكولونيل بلمجدوب مع الفريق الوطني إلى تونس لخوض مباراة حبية، وكنت حينها اشتغل في تونس بصفتي الممثل الدائم للمغرب في لجنة المغرب العربي والتي سينقل مقرها إلى الرباط بعد إنشاء اتحاد المغرب العربي في فبراير 1989. وبحكم صداقتي معه منذ أواسط الستينات، أي منذ كان ليوتنان، حيث كنا نلتقي في نادي الضباط بالرباط، استقبلته في المطار بمعية أفراد الفريق الوطني وصاحبتهم إلى فندق أبونواس، وعندما سألته عن المباراة وعن أحوال فريقنا الوطني، قال لي « اليوم لدينا فريق قوي وجد منضبط، بإمكانه التفوق على معظم الفرق الافريقية. كان يتحدث بثقة كبيرة في النفس. لدرجة انه قال لي « بإمكاننا أن نفوز اليوم على تونس بسهولة وبثلاثة لصفر لكنني أعرف جيدا لاعبي، فحتى أجنبهم مصيدة الغرور لن اتركهم يسجلون أكثر من هدف أو هدفين » فاستغربت من كلامه. عرض علي أن أحضر معه في منصة الشرف حيث عرفني على رئيس الجامعة التونسية لكرة القدم، وفعلا منذ النصف ساعة الأولي تبين لي أن المنتخب المغربي يتفوق بكثير على نظيره التونسي، رغم أن هذا الأخير هو من سيتأهل بعد ذلك لكأس العالم بالأرجنتين سنة 1978.