شهادة في حق اخوة جزائريين
شهادة في حق إخوة جزائريين جعلوني اجزم ان الشعب الجزائري في معضمه كان وسيبقي اقرب المقربين للشعب المغربي .
سؤال تعرف الجزائر في الآونة الأخيرة تطورات لم يكن الكثير من المحللين والمسؤولين يتنبؤون بحدوثها على لا علي المدى القصير وربما حتى على المدى البعيد.
وهي تطورات نتمني ان تكون نتاءجها النهائية في صالح الشعبين الجزائري والمغربي لأننا ،نحن المغاربة ،معنيين بدرجة مباشرة بكل ما يحدث في هذا البلد الجار .
لذلك نود معرفة رأيكم فيما يحدث هناك بصفتكم أحد المسؤولين الذين شاركوا في تدبير العلاقات المغربية الجزائرية في مرحلتي القطيعة أواسط السبعينات والوفاق الاخوي أواخر الثمانينات وما يمكن أن ينتج عن هذا الحراك الشعبي بالنسبة للجزائر و لتطور العلاقات المغربية الجزائرية
جواب ما يحدث هناك حسب رايي هو مخاض et son شعبي استثنائي بكل المقاييس ، استثنائي لأنه انطلق بطريقة عفوية y’a en faveur دون تدخل اجنبي ودون تأطير من هيات معينة ،ولأنه ركز على سلميته لمدة تقارب النصف سنة ،حيت استطاع خلالها ان يحمي نفسه من تدخل أي جهة متطرفة وحتى من المرتزقة الذين كثيرا ما تستعملهم السلطات الأمنية او جهاة معادية في حالات مماثلة للانسياب في تلك المظاهرات والقيام بأعمال تخريبية للمنشآت العمومية والخاصة او للهجوم المبيت علي رجال الأمن لتبرير تدخلهم هؤلاء لاحقا بحجة ضرورة استتباب الأمن .
هو مخاض شعبي استثنائي لانه جاء مسلحا بالتجارب السابقة خاصتا ما عاشه الشعب الجزائري من ويلات العشرية الدامية في متم القرن الماضي وما عاشته معظم الشعوب العربية التي انتفضت ضد بعض حكامها المستبدين فيما أطلق عليه بالربيع العربي في أوائل العشرية الحالية وما آلت إليه تلك الثورات من نكسات وارتدادات وردود أفعال قمعية من طرف ما اصبح يعرف بـجبروت الدولة العميقة .
وقد يستفيد هدا المخاض الشعبي الجزائري كذلك من الانتفاضة المتنورة المباركة للشعب السوداني الذي هو كذلك يصر على قيام دولة مدنية وعلي عزل ومحاسبة منظومة الحكم المستبد السابق ولو علي مراحل والغريب في الامر هو ان هذا الشعب الجزائري الشقيق الذي كان إلى حين قريب ينعت بالمتنرفز والمتوتر الاعصاب ،ها هو يعطينا درسا في التأني وضبط النفس والتمسك بسلمية احتجاجاته مع الالحاح علي متابعت مطالبه.
سؤال كيف اذا ترون مستقبل العلاقات المغربية الجزائرية على ضوء التطورات المرتقبة هناك
جواب أعتقد أنه من المبكر محاولة استشراف آفاق مستقبل العلاقات بين بلدينا في الضروف الحالية ولو انني اشعر بان المستقبل لا يمكن ان يكون أسوأ مما كان عليه، لكن وبصفة عامة اعتقد ان هناك عناصر اساسية لن تسمح للحكام المستقبليين للجزائر مدنيين اصبحوا أو عسكريين بإجراء تحول جذري في موقفهم بالنسبة للمغرب مادام مطلبهم الأساسي يبقى قائم الذات وهو المسعا الذي لم يتغير منذ استقلال الجزائر رغم تغير رؤسائها اقتناعا منهم ان الحل يبقى مرهونا بموقف المغرب النهائي من مطلبهم الأساسي الذي يستحيل التخلي عنه خاصتا بالنسبة لقادة الجيش.
سؤال وما هو هذا المطلب الرئيسي بالنسبة لهم
جواب الجواب حسب رأيي وبكل تواضع يستوجب حلقة كاملة للتوضيح وتقديم الشروحات و الإثباتات اللازمة لفرضيته.
فهو موضوع أساسي يمكن ان نتطرق له بالتفصيل في مرحلة قادمة، لكن ما يهمني اليوم هو ادكاء وتقوية ما يشعر به معظم المغاربة من تعاطف مع اخوانهم الجزائريين وهم يخوضون معركتهم السلمية من أجل كرامتهم واسترجاع حقوقهم في اختيار نظامهم وممثليهم بكل حرية.
سروال كيف هذا
الجواب. من خلال الإدلاء بشهادة في حق بعض الأخوة الجزائريين نتيجة احداث ومواقف عشتها شخصيا والتي اعتقد انه من واجبي ان أدلي بها إنصافا لهم وحتى يقتنع من لازال منا يؤاخذ الجزائر على موقفها العدائي لنا في ملف الصحراء المغربية ، أن الشعب الجزائري في معظمه يبقى أقرب المقربين من الشعب المغربي رغم ما مورس عليه من ضغوط من طرف قياداته المتتالية وما صب عليه من معلومات مغلوطة حول المغرب والمغاربة طيلة أزيد من أربعين سنة
سؤال ماذا يجعلك مقتنعا بهذه الخلاصة ؟
جواب ما جعلني أجزم بأحقيتها هي مجموعة من الإشارات تلقيتها شخصيا على مراحل ولمدة فاقت تلاتين سنة ،سأسردها عليكم باختصار
الشهادة الأولى
في متم شهر نونبر سنة 1975 كنت متواجد بالعاصمة الجزائرية لتمثيل المغرب في مؤتمر وزراء التجارة الأفارقة نيابتاً عن السيد عبد اللطيف الغصاصي الوزير المكلف بالتجارة انداك والدي كنت أقوم بأعمال رئاسة ديوانه .
في تلك المرحلة كانت العلاقات المغربية الجزائرية الرسمية في اقبح حالاتها حيث كان المغرب يسجل نجاحاته المتتالية في عملية استرجاع المناطق الصحراوية الغربية إثر تنظيمه في نفس الشهر للمسيرة الخضراء والتي واكبها إطلاق حملة مسعورة ضد المغرب من طرف الرئيس بومدين وبعض كبار المسؤولين الجزائريين، ستفضي الى ابشع قرار اتخذه المرحوم بومديان في حق عشرات الآلاف من المغاربة المقيمين في الجزائر حيث سيتم طردهم في ظروف مأساوية أقل ما أقول عنها أنها لا تشرف الجزائر وخاصتا حكامه الذين توقعوا ردة فعل مماثلة من طرف المغرب تدفع الشارع الجزائري إلى الاصطفاف بجانب موقفهم العدائي ، لأكن المغرب فطن لهذا المقصد الدنيء ولم يعمل بمبدأ المعاملة بالمثل كما كان منتظرا منه من طرف الحكام الجزائريين .فكانت النتيجة معاكسة تماما حيث ازداد الشعب الجزائري تعاطفا مع شقيقه المغربي
في هذه الأجواء وجدت نفسي بمفردي أعارض تدخلات الوزير الجزائري للتجارة السيد العياشي ياكر الذي حاول بصفته رئيس المؤتمر تمرير مشروع قرار يرفض أحقية المغرب في استرجاع صحرائه و كنت أعارض البت في هذا المشروع مركزا علي ضرورة تطبيق المسطرة التي يعمل بها المؤتمر حيث أن جدول الأعمال المصادق عليه لا يشير إلى أي بند يمكن من خلاله مناقشة هذا الموضوع دا الطابع السيا سي المحض.
وقد احتد النقاش إلى درجة ان وجدت نفسي مدفوعا بشعور جارف وأنا أصرح بكلام اعتبره ممثل تونس انذاك انه « اعلان حرب « موضحا لي أنه تلقى تعليمات من الرئيس بورقيبة لمساندة الموقف المغربي لكنه غير مستعد لمساندة ما جاء في ذلك التصريح .
سؤال لمادا هدا ؟ومدا صرحت به ؟
جواب هذا موضوع أفضل أرجاء التحدث فيه لمرحلة قادمة ان أردت ذلك .لان مايهمني في الإشارة لهده الأجواء المتوترة في ذلك المؤتمر هو ان أعطي فكرة عن الظروف التي واكبت ما أسعى لاستدل به من شهادة في حق بعض الإخوة الجزائريين .
ففي تلك الأجواء المكهربة ادا كنت بعد انتهاء الاجتماعات الصباحية والمسائية التحق بغرفتي بأحد فنادق « نادي الصنوبر » بضواحي العاصمة وهو المركب الذي يتضمن مجموعة فنادق وفلل وقاعات الاجتماع التي احتضنت احداها ذلك المؤتمر الوزاري .
ولثلاثة أيام متتالية وفي نفس التوقيت كان يلتحق بي بالفندق حوالي الثامنة الا بضعة دقائق مساء كل يوم ، السيد عبد العزيز خلاف حيث يطلب مني الالتحاق به ببهو الفندق . فكنت انزل من غرفتي والتحق به اعتقادا مني أنه مكلف بإبلاغي شيء معين .
سؤال من يكون السيد عبد العزيز خلاف هذا ؟
جواب كان هو من يترأس الوفد الجزائري في ذلك المؤتمر، وهو أحد كبار الأطر في وزارة الطاقة والمعادن بصفته المدير العام للتخطيط أي أحد كبار المساعدين للوزير بلعيد عبد السلام الذي كان يعد في تلك الحقبة احد اقوي وزراء بومدين ،وسيعين السيد خلاف هذا لاحقا وزيرا للتجارة في آخر السبعينات تم وزيرا للمالية في الفترة التي سيتم فيها التقارب بين البلدين أي أواخر الثمانينات إلى أن يحتل المنصب البارز في سلم السلطة أي الكاتب العام لرئاسة الجمهورية في آخر مرحلة حكم الشاذلي بن جديد اوائل التسعينات .
سؤال وهل كنت تعرفه من قبل ؟
جواب نعم. تعرفت على الأخ عبد العزيز خلاف في عدد من المؤتمرات الاقتصادية التي كنا نشارك فيها كل منا ضمن وفود بلده .ورغم تشنج المواقف في تلك الفترة العصيبة لم أتذكر يوما ان شاهدته يتدخل في تلك الحروب الكلامية التي كتيرا ما طبعت تدخلات الوفدين في كل من تلك المؤتمرات .
سؤال اذن هدا مسؤول كبير في سلم السلطة الجزائرية .
فماذا كان هدفه من تلك الزيارات المسائية ؟
جواب. هنا بيت القصيد .
كان يطلبني في غرفتي كما سبق الذكر فالتحق به وابادله أطراف الحديث في مواضيع عامة في انتظار معرفة الرسالة التي قد يكون مكلفا بتبليغي إياها ،فإذا به يودعني بعد مضي نصف ساعة تقريبا دون الإفصاح عن سبب زيارته . ترددت الزيارة وفي نفس التوقيت لليوم الثالث على التوالي وكان هو آخر يوم للمؤتمر، حيث بلغت حدة النقاش والتصادم في المؤتمر مستوي القذف والسب الغير مسبوق من طرف رئيس المؤتمر الوزير الجزائري عياشي ياكر ،سامحه الله .
وكما قلت ليس هذا موضوعنا حاليا .
المهم أنني عدت للفندق على أساس ان أغادره في اليوم الموالي لأعود للمغرب .
وإذا بالأخ عبد اللطيف يعاود زيارته لي وفي نفس التوقيت .وعند توديعه لي اصريت هذه المرة على معرفة سبب تلك الزيارات فقلت له :
الأخ عبد العزيز اشكرك على زياراتك هته لكني لم أفهم إطلاقا ما سببها .فنحن نقضي اليوم كلة في قاعة المؤتمر وأنت وأنا في أشد التعب والتوتر نتيجة المسار التصادمي الذي فرضه رئيس المؤتمر والدي اشهد انك لم تشارك فيه رغم تروسك للوفد الجزائري .
وأنا اعلم كذلك أنك تقطن بالعاصمة وان زياراتك لي تؤخر عودتك لبيتك الي ما بعد التاسعة ليلا .
وها أنت تودعني دون أشعاري باي رسالة أو حتى ملاحظة أو تعليق فهل من تفسير؟
ابتسم الأخ عبد اللطيف وقال بكل بساطة « لا شيء لا شيء، ليس هنالك لا رسالة ولا ملاحضة ولا حتى تعليق »
فقلت فكيف أفسر إذا زياراتك هته لمدة ثلاثة أيام وفي نفس التوقيت ؟
سكت طويلا تم ردد »لا شىء لا لشيء » وحاول تقبيلي وتوديعي ، فامتنعت ورفضت ان يودعني دون ان اعرف ما وراء تلك الزيارات وخاصة في الظروف المشحونة بالعداء بين بلدينا
وإذ به يبتسم مرة أخرى ويقول نتيجة إلحاحي « الأخ إدريس خليك من كل ما يحدث فأنا بصراحة كنت اطلب ملاقاتك قبل الثامنة مساء حتى لا تشاهد الأخبار المسائية على التلفزة .هدا قصدي لاغير »
فقبلته وعانقته بحرارة وشديت على يديه مطولا وكدت أنفجر فرحا بهذه الالتفاتة من مسؤول كبير في سلم السلطة عمل تلقائيا على إتنائي من مشاهدة وسائل إعلام بلاده وهي تصب جحيم حقدها على بلادي .
وقبل المغادرة ختم كلامه معلقا على الأحداث بما مفاده « خلينا نبقاو اخوة وسيأتي يوم يزول فيه ان شاء الله أسباب هذا التوتر بين كبار مسؤولينا ».
ضل هدا المشهد عالقا بذهني لمدة طويلة حيث سيأتر في سلوكي ويطبع تصرفاتي مستقبلا مع الأخوة الجزائريين بنسبة عالية.
سوال انه حقا لامر عجيب وله دلالاته الإيجابية على تزكية شعور التعاطف مع الشعب الجزائري . ومادا بعد؟
جواب. حدث هذا في متم شهر نوفمبر 1975 كما سبق الذكر. وتريد الأقدار ان أتواجد ضمن أول وفد مغربي يصل الى الجزائر بعد اعادة ربط العلاقات بين البلدين سنة 1988 أي بعد قطيعة دامت أكثر من اثنتي عشرة سنة . وعند وصولنا لفندق الميتاف المخصص لاستقبال كبار الزوار الرسميين وعند انفتاح باب المصعد في اتجاه الغرف واذا بالخارج منه هو السيد عبد العزيز خلاف .
يا للصدفة العجيبة
قبلي بحرارة دون الانتباه للوزير المغربي السيد عبد الله الازماني الذي كنت واقفا بجواره صحبة الاخ حسن ابو ايوب مدير التجارة الخارجية في تلك الفترة ،وابتسم في وجهي بلطف كعادته قائلا دون مقدمات وكاننا لم نفترق لمدة اثنتي عشرة سنة » شفتي كيف ا السي إدريس ؟ ها ما قلناه يتحقق » تم انصرف بعد أن قدمته للسيد الوزير الذي لم يفهم فحوى ما سمع .
ولم تمضي الا أسابيع معدودة حتى تم تعيينه كأول كاتب الدولة للشؤون المغاربية في إطار اتفاقية اتحاد المغرب العربي الموقعة بمراكش في شهر فبراير سنة 1989 .
كما أرادت الأقدار ان أتواجد معه في عدة محطات أخرى بصفتي رئيس وفد الخبراء المغربي في المفاوضات مع الوفد الجزائري علي الصعيدين الثنائي والمغاربي ،ومنها المشاركة في باخرة الوحدة التي نظمتها جمعية فاس سايس والتي احتضنت وفود من المجتمعات المدنية للدول الأعضاء في اتحاد المغرب العربي حيت قضينا على متنها أزيد من أسبوع وزرنا العواصم المغاربية الخمس .
كما تشرفت باستقباله ببيتي بالرباط بحضور الاخ حسن أبو ايوب،حيث فاتحنا بكل صدق ومودة عن الظروف المالية الصعبة التي تمر بها بلاده في تلك المرحلة كونه كان وزيرا للمالية قبل تعيينه في الشؤون المغاربية .
وانا أدلى بهذه الشهادة في حق احد كبار المسؤولين الجزائريين والتي توضح بجلاء ان الموقف الرسمي للجزائر في تلك المرحلة لم يكن يعبر عن راي موحد للإدارة الجزائرية ضد المغرب .
وهنا سا قول بين قوسين ان ما تكهن بحدوته السيد خلاف لم يخالف الصواب ،لانه وبمجرد عودة التقة بين روساء بلدينا حتي عادت الأمور لطبيعتها الأصلية ، لدرجة ان تعليمات المرحوم الحسن التأني لنا كاول وفد مغربي سيتوجه الي الجزائرللمشاركة في اول اجتماع مغاربي بهدف صياغة مشروع القانون الأساسي للاتحاد المغاربي « اللي اقترحوه الجزائريون أيدوه وحضيو راسكم غير من … »
الشهادة الثانية
وحتى على الصعيد الشعبي سأروي لكم ما عاينته من تعاطف في تلك الزيارة للجزائر أواخر نونبر 1975 والبلدين علي وشك الدخول في حرب مسلحة والحملة الجزائرية العدائية ضد المغرب متاججة وفي أعلى ذروتها
فقبل اجتماع الوزراء الافارقة المشار اليه اعلاه تم اجتماع تحضيري علي مستوى الخبراء بنادي الصنوبر وكان أعضاء الوفد المغربي لايبرحون مغادرة الفندق ولا يجرؤون علي التحدث مع اي جزائري نتيجة الحملة المسعورة المتداولة في كل وسائل الاعلام الرسمية،
في هذه الأجواء حضرت لبالي فكرة غريبة وهي ان آد هب للملعب الشرفي لمشاهدة مبارة لكرة القدم كوني شغوف بهذه اللعبة وخاصتا كوني اريد التأكد بنفسي مما ينسب في تلك الأجواء للشعب الجزائري من عداء للمغاربة، واصريت على ذلك رغم معارضة كل أعضاء الوفد المغربي الذين كانوا مقتنعين أنني سأعرض نفسي للتهلكة ،في حين كنت اشعر بعكس ما يتوقعون.
فطلبت من السائق للسيارة الرسمية المخصصة للوفد المغربي أن ياخدني للملعب في اليوم الموالي. فتعجب من طلبي وعاد الي ربما بعد أخذ الموافقة من مسووليه الأمنيين في الوقت المحدد. وبمجرد دخولي السيارة عمل السائق مباشرة علي إغلاق مدياع الراديو الذي كان يستمع إليه قبل وصولي، فقلت له مازحا « خلينا يا اخي نسمع الراديو » فلم يرد ولم يمتثل لطلبي كون الأخبار بمعضم محطات الراديو كانت كلها موجهة ضد المغرب، وعندما الحيت عليه لا ستشعرموقفه سكت مطولا ثم قال « خاطيك » لم افهم قصده بالضبط كون هدا التعبير قليل التداول لدينا، لكنني شعرت وكأنه يقول لي « خلي عليك هدا الموضوع » وسكت طول مسافة الطريق اي ما يناهز ساعة الي ان وصلنا للملعب .كان هناك زحام خيالي امام شباك بيع التذاكر، فطلبت من السائق ان يأخذني لباب دخول الرسميين، فتعجب لطلبي .وهنا ك وجدت كدالك زحمة لا تصدق والباب الكبير مقفول ومن خلفه مسؤول يرفض حتى التحدث لمخاطبيه، مكتفيا بإدخال حاملي بطاقات المدعوين . فاقتربت منه بعد عناء وبشدة الانفس وقلت بصوت عالي انا مغربي ضمن وفد رسمي واود مشاهدة المباراة .اندهش كل من حولي وكذلك المسؤول خلف باب الدخول ،الذي كان يرفض الجواب علي أي طلب يقدم إليه. نظر إلي بتمعن وتعجب تم قال لي » انتضر » تم غاب تاركا الجميع يصيح في تزاحم شديد ،تم عاد مرفوقا بشخص لم يقدم لي نفسه مكتفيا بالقول ودون مقدمات أو أسئلة « تفضل « تم أخذني معه وإذا بي جالس بجانبه في المنصة الرسمية .فهمت انه احد كبار المسؤولين عن الجامعة وربما رئيسها .لم يجرا هدا الأخير علي مكالمتي طيلة المبارة واكتفى بمرافقتي لباب المركب الرياضي مودعا ب » أهلا وسهلا ».
عندما قصصت ما حدث على أعضاء الوفد المغربي اتر عودتي للفندق لم يصدقني أحد منهم .حيث كانو يتوقعون انه سيرمي بي في إحدى التعاريج الملتوية في الطريق الي العاصمة ، نتيجة حدوث حادثة سير مفتعلة.
الشهادة التالتة
أسابيع قليلة بعد هدا المؤتمر وجدت نفسي بتونس العاصمة حيث عينت ممتلا للمغرب في إطار اللجنة الاستشارية الدائمة للمغرب العربي والتي أنشئت أواسط الستينات بهدف دراسة واقتراح الحلول الناجعة لتحقيق الاندماج الاقتصادي المنشود انداك بين الدول الأعضاء على غرار ما قامت به عدد من الدول الأوروبية بأحداث كتابتها العامة ببروكسيل .
وطيلة سنتي-1977 1976 كان مكتبي بالأمانة العامة بجوار ممتلئ كل الدول الأعضاء ومن ضمنهم طبعا ممتل الجزائر .
وللتذكير كانت سنة 1976 اخطر سنة عرفتها العلاقات المغربية الجزائرية حيت استعملت فيها الطائرات الحربية وتم فيها القبض على ما يقارب الماة من سجناء عسكريين وكادت تلك المناوشات أن تقضي في « إمكاالاً » أوائل نفس السنة إلى مواجهة مفتوحة بين البلدين .
في هده الأجواء التصادمية الخطيرة كان ممثل الجزائر الأخ محمد العربي يزورني في مكتبي ويحاول إعطاءي الشعور ًًكون ما يحدث إنما هو نتيجة تباين في المواقف و المصالح علي مستوي القيادة في بلدينا « الأخ محمد العربي كان من كبار المسؤولين المقربين هو كدالك من المرحوم بلعيد عبد السلام واقولها بصراحة ضل طيلة تلك السنتين اقرب واصدق واحد ضمن الممتلين الثلاثة الآخرين المتواجدين معي يوميا بنفس المقر.
الشهادة الرابعة
عندما عينت سفيرا بدولة الكويت في متم سنة 1996 وفي معظم اللقاءات التي يحضرها السفراء، كان السفير الجزائري متحفظا شىء ما في علاقته معي .لكنني ضللت أستدعيه لكل حفل انضمه ،رسميا كان أو حتي خاصا . ومع مرور الشهور توطدت علاقتنا واصبح يزورني في مكتبي لتناول الشاي . وفي إحدى الزيارات توصل بمكالمة من الجزائر بعدها اخبرني ان مخاطبة هو مدير الشؤون العربية بوزارة الخارجية .وكم كنت سعيدا عندما علمت منه ان هدا المدير والدي هو رئيسه المباشر ،اسمه عبد الحميد بوزاهير.
لم يصدق انني كنت اعرفه فعاود الاتصال به ليخبره انه بمعيتي وجعلني اتحدث معه مطولا ، تم عند استرجاع السماعة مني والتحد ت اليه مجددا ، فاجأني بالقول بعد إغلاق المكالمة » السي ادريس ليس لي علم بالعلاقة الوثيقة التي تجمعكما لهده الدرجة .لقد أعطاني بخصوصك تعليمات مفادها » اللي قال لك السي إدريس واللي اقترح في أي موضوع سير معاه بدون تخفض «
« حدت هدا سنة 1997 رغم ان العلاقات بين بلدينا كانت متوترة من جديد خاصتا منذ مقتل المرحوم الرئيس بوضياف سنة 1992 وإغلاق الحدود سنة 1994.
سؤال من يكون السيد عبد الحميد بوزاهر
جواب السيد عبد الحميد كان مدير مساعد بإدارة الشؤون العربية ،وبهذه الصفة كان هو من ترأس أول فوج جزائري للخبراء زار المغرب إثر عودةالعلاقات بين البلدين في أوائل اكتوبر 1988.
ولحسن الصدف كنت ،نتيجة مسؤولياتي بوزارة الخارجية مكلفا بقيادة الوفنً المغربي علي مستوى الخبراء في ذلك اللقاء التاريخي.
دون الدخول في التفاصيل سأكتفي بسرد الحدث دا العلاقة بموضوعنا.
ونحن في قاعة الاجتماع الأول بين الوفدين اتصل بي رئيسي المباشر ،السيد رفيق الحداوي المدير العام للتعاون الدولي ، ليسألني هل الوفد الجزائري على علم بما يحدث ببلادهم .فأجبت بالنفي ،فإذا به يخبرني بما يحدث من انتفاضة شعبية عنيفة في الجزائر العاصمة وان معظم القنوات الفرنسية تنقلها على المباشر.
سؤال اهي انتفاضة أكتوبر 1988؟
جواب صحيح كانت هي أكبر انتفاضة للشعب الجزائري مند استقلاله والتي على اثرها سيوضع حدا للنظام المعمول به في الجزائر منذ الاستقلال أي نظام الحزب الواحد وهيمنة القطاع العام على كل مفاصل الدولة ،حيث ستدشن الجزائر نظام التعددية الحزبية والنقابية والتفتح على النظام الاقتصادي الحر ،الشيء الذي سيضفي في اول انتخابات تعددية لبروز وهيمنة الحركة الإسلامية وما تلاها من مآسي العشرية السوداء الدامية .
سروال مادا حدت ؟ هل تا بعتم اجتماعاتكم ؟
جواب. كنا في بداية اول اجتماع .طلبت استراحة للتشاور وفاتحت بمكتبي الأخ عبد الحميد فيما يحدث وتركت له طبعا حق التصرف بالنسبة لاجتماعاتنا .فطلب مني رفع الاجتماع والعودة بهم للفندق « صومعة حسان » علي عجل.رافقت الوفد الي الفندق فوجدنا السيد عبد الحميد مهري سفير الجزائر في الانتظار .
وأمام تبعتر البرنامج الرسمي اقترحت عليهم بعد ان شاهدنا على قناة تلفزية فرنسية مشاهد مروعة لدالك الانفجار الجماهيري ولما واكبه من تحطيم للمنشأة وإبرام النار في مؤسسات الدولة حيت شاهد معنا مدير التجارة مقر عمله وهو يحترق ،اقترحت عليهم ان نلتقي مساء ببيتي علي ان يقومو بالاتصالات الممكنة والمشاورة لمعرفة ما يمكن فعله .
وبعد مأدبة العشاء الذي نظمتها السيدة عقيلتي في ظرف قياسي وبعد التشاور بين أعضاء الوفد المتكون من اكتر من تلاتين مسؤول في معظم القطاعات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية ،اهتدي الجميع الي ضرورة العودة في أقرب الآجال الي الجزائر .
وبما ان حركة الطيران كانت قد توقفت ،اقترحت عليهم العودة بسيارات الوزارة آلي غاية الحدود البرية .وكان علي ان ادبر اللوجستيك من سائقين وبنزين في يوم عطلة السبت وغياب المسؤولين عن هده الجوانب التنظيمية .
وبعد هدوء هذه العاصفة التي كادت ان تدخل الجزائر في دوامة عدم استقرار، أخدنا من جديد تنضيم اللقاءات على الصعيد الثنائي و المغاربي وأصبحنا نعمل كفريق واحد أنا والأخ عبد الحميد ، حيث نظمنا الاجتماع الأول لللجنة المغربية الجزائرية وكذلك اجتماعات متتالية بكل عواصم دول المغرب العربي للتشاور وبلورة مشروع مسودة القانون الأساسي للاتحاد المغاربي ألدي صودق عليه في فبراير 1989 بمراكش من طرف رؤساء الدول الخمس الأعضاء .
وأنا اشهد اليوم ان التعاطف الذي عبر عنه أعضاء الوفد الجزائري والعديد من كباز المسؤولين الدين شاركو في المفاوضات في تلك الفترة الذهبية بما فيهم السيد بلعيد بسايح وزير الخارجية وقبله احمد الطيب الإبراهيمي، ابانو لنا عن مودة صادقة وتلقائية وعن تفاعل بناء وإرادة راسخة في تفعيل برامج التعاون التي اتفقنا عليها في تلك المرحلة.
سروال وماذا حدت ؟ ما ألدي أوقف هذه البرامج ؟
الجواب المشكل حسب رايي يكمن في أزمات ثقة بين القيادة في البلدين .فعندما التأمت الثقة بين المرحومين الشاذلي بن جديد والحسن الثاني رأينا هذا التقارب المذهل الذي اشرت اليه اعلاه ،وكذلك كان عند تعيين المرحوم بوضياف سنة 1992.
لكن بعد اغتيال هذا الأخير انعدمت الثقة مرة أخرى وعلقت كل التفاهمات التي علي اثرها انطلق ذلك المسلسل الذهبي من برامج التعاون السابقة الذكر.
سروال وهل من تفسير لغياب هذه الثقة حاليا رغم التغييرات التي طرأت علي هرم السلطة في البلدين ؟
جواب هذا موضوع أساسي يطول شرحه وليس هو المقصود في الألداء بهده الشهادة في حق الأخوة الجزائريين وأنا مستعد لإبداء رايي فيه في مرحلة قادمة ،عند الاقتضاء .
إدريس غالي الكتاني
سفير سابق