Ancien Ambassadeur

محمود الادريسي الفقيد / في مهمة خاصة من طرف المغفور له الحسن الثاني

سبق ان كتبت في هذا الركن قصة اغنية عيشي يا بلادي للمرحوم محمود الإدريسي الذي فقدناه منذ أشهر، وقد جالسته لمدة شهور حيث استضفته بمقر سكني وانا اعمل كسفير صاحب الجلالة بدولة الكويت ثلاثة مرات ولفترات تراوحت بين شهرين وأربعة أشهر في أواخر التسعينات.
ومن أغرب ما روى لي بخصوص قربه المميز من المغفور له الحسن الثاني هناك قصة غريبة لم يجرؤ على ذكر أطوارها حتى لأقرب المقربين منه لحساسيتها، وأنا كذلك ترددت كثيرا قبل تدوينها و أتعمد عدم ذكر أسماء المعنيات بفحواها.
يقول المرحوم محمود: « كلفني صاحب الجلالة بإبلاغ عدم رضاه إلى ثلاثة مطربات مغربيات كونهن انسلخت من هويتهن المغربية وأصبحن يؤدين اغانيهن بالدارجة المصرية.
كان الثلاثة آنذاك في ضيافة جلالة الملك حيث استدعيت للمشاركة في احتفالات العيد الوطني بمراكش، قال لي رحمه الله عليك أن تذهب إلى فندق المامونية، وتلتحق بفلانة بغرفتها وأن تطلب من الأخرتين الالتحاق بكما. وعند حضور ثلاثتهن عليك أن تبلغهن عدم رضائي على تصرفهن كونهن انسلخن من مغربيتهن واصبحن يودين اغانيهن بالدارجة المصرية، هذا دون أن تشعرهن أنك مبعوث من طرفي. فقمت بتلك المهمة كما طلبه مني جلالة الملك رحمه الله وكانت النتيجة أن قررت اثنان منهن الامتثال لرغبة جلالة الملك والتخلي نهائيا عن مهنة الغناء، وكذلك كان، أما الثالثة فقد اشترطت مقابل تخليها عن متابعة نشاطها الناجح بالشرق والذي جعلها ضمن المطربات اللواتي تتصدر المشهد الغنائي العربي في تلك المرحلة، أن يتم تعويضها بما يناسب مدخولها السنوي والذي حددته في مبلغ معين.
وقد أوقفت بالفعل الاثنتين نشاطها نهائيا منذ ذلك اليوم فيما تابعت الثالثة مسيرتها بالشرق لحينه، ونتج عن ذلك طبعا عدم السماح لها بعد ذلك بالعودة للغناء بحضرة صاحب الجلالة.
كم تمنيت أن ألتقي بإحداهن وأخذ موافقتهن على نشر هاته المعلومة الغير متداولة حتى في الأوساط الفنية الخاصة. وللعلم فإن المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني كان دائما يعارض انتقال المبدعين المغاربة إلى الشرق والانصهار في ثقافة شعوبها، وقد حكى لنا المطرب المتألق عبد الهادي بلخياط كيف أن الموسيقار محمد عبد الوهاب اقترح عليه بحضور الحسن الثاني استقباله بالقاهرة لتمكينه من أداء أغاني من ألحانه وكيف كان تصرف جلالة الملك حيث طلب منه الاقتراب وقال له في اذنه « وسأقطع رجليك إذا ذهبت إلى هناك »
لقد كان رحمه الله يحث دائما على تمسك المغاربة بمغربيتهم حتى خارج بلادهم، وقد رفض أن ينخرط المغاربة المقيمين بالخارج في الانتخابات المحلية للمدن التي يقطنون بها على اساس انهم مهما عاشوا في تلك البلدان سيبقون مغاربة قبل كل شيء. يحتفظون بجنسيتهم مهما تجنسوا بجنسيات أخرى.
وقد بلغ تقرب المرحوم محمود الإدريسي من جلالة المغفور له درجة جعلت هذا الأخير يأمره في مناسبات عدة بالبقاء معه بعد انتهاء الحفلات التي كان يشارك فيها، ويطلب منه جلالته ترديد أحد المقاطع التي سبق أن أداها المرحوم محمود في احدى الملحمات التي أبدعها خيرة الفنانين والممثلين والملحنين والشعراء والمطربين المغاربة لإحياء الذكرى العاشرة للمسيرة الخضراء ومناسبات أخرى.
و يتضمن ذلك المقطع مناجات تخص والده المغفور له جلالة الملك محمد الخامس عندما كان متواجدا بالمنفى وهو شطر جد مؤثر لدرجة ان جلالته كان يبكي لسماعه و يطلب منه إعادة أداءه على مسمعه، باشارة من يده، العديد من المرات.
وحكى لي أيضا كيف أراد البعض تخريب علاقته المتميزة مع الحسن الثاني حيث أخبروه أنني أقدمت على بيع احدى البدلات التي اعطاني اياها جلالته وهي من خزانة ملابسه الخاصة، لكن والحمد لله استطعت ان اثبت لجلالته عكس ما وشوا به حيث كنت احتفظ بها بأكملها في بيتي وكم اعتز بتوفري عليها الى الان.
لقد كان الأخ محمود أهل للثقة يكسب محبة من يعاشره بكل أمان واحترام حيث تشهد عقيلتي أنه طيلة المدة التي قضاها معنا بالكويت وقد زارنا ثلاثة مرات ولعدة شهور، لم تكن تشعر أنه يقطن معنا بمقر السكن حيث يقضي الساعات بغرفته ولا تسمع اترا له إلا بعد عودتي من العمل.
وانا اشهد كذلك أنه، وبعكس عدد من الفنانين الذين عاشرتهم لسنين عديدة والذين كثيرا ما يصيبهم الغرور المفرط والنرجسية، لم يحدث ان سمعته يفتخر بنفسه و بابداعاته او يفرض نفسه علي الحاضرين. وكثيرا ما كان يتحاشى أداء أغانيه في جلساتنا الأدبية والطربية الا اذا طلب منه ذلك. فكان رحمه الله يسعى لإرضاء طلبات الحاضرين من سفراء عرب ومبدعين كويتيين حيث كثيرا ما كان يتحفنا بأداء أغاني كلاسيكية لمحمد عبد الوهاب من قبيل كليوباترا والجندول والنهر الخالد والتي كان يتقن أداءها أيما إتقان.
توجد مقاطع من تلك الجلسات على قناة اليوتوب خاصتي وعلى مدونتي لمن يهمه الامر drissghalikettani.com