القانون تحت الطلب
جريدة أخبار اليوم: عدد 3410
الجميع يعلم أن القانون المغربي يجرم شرب الخمر ببلادنا العزيز من لدن المغاربة المسلمين. والجميع يعلم ويشاهد، خاصة السلطات، أن المشترين في نقط البيع المرخص لها من طرفهم هم في أغلبيتهم الساحقة مغاربة مسلمون، ولا أحد يتحرك لتطبيق القانون. الشيء نفسه بالنسبة إلى الإجهاض، فالكل يعلم أن عمليات الإجهاض تقع بالمئات يوميا في مقرات طبية تعرفها السلطات، لكن الجميع كذلك لا يحرك ساكنا، وكأن شيئا لم يكن… إلا إذا… والفاهم يفهم.. فقضية الشابة هاجر الريسوني مازالت في مخيلة كل من تتبعوا فصولها الهتشكوكية.
وكذلك كان بالنسبة للأخ بوعشرين وقبلة بوبكر الجامعي وبنشمسي والمهداوي و… بعده سليمان الريسوني وغيرهم.
وكأن القانون وضع في بلادنا لا ليطبق على الجميع بطريقة متساوية، وإنما هو موجود كألة قمع لإدانة أشخاص محددين بعينهم . لأن آراءهم تزعج السلطه .
فلو أرادت النيابة العامة تفعيل مقتضيات القوانين الخاصة مثلا بالعلاقات الجنسية المحرمة، لكان اليوم خلف القطبان عشرات وربما مئات من كبار المسؤولين من وزراء ومديرين ورؤساء مؤسسات عمومية، لأن العلاقات التي تربطهم بكاتباتهم متلا هي أكثر من حميمية ومكشوفة للجميع، إلى درجة أن بعض تلك المساعدات أصبحن صاحبات الحل والعقد في تلك المؤسسات.
فلنفترض جدلا أن السيد بوعشرين كانت له علاقات جنسية مع عدد من السيدات يعملن تحت إمرته، وأن النيابة العامة استطاعت إثباتها، وهو ما لم يحدث بأدلة قاطعة، فهل يعقل أن يعاقب بخمس عشرة سنة سجنا؟
وكأن هناك أيادي خفية تحدد مستوى العقوبات مسبقا تحت الطلب، على أن تقوم الجوانب المتدخلة بالبحث عن «المبررات» على المقاس، والتي ترقي إلى تلك المستويات العقابية المحددةمسبقا ، من قبيل: «الاتجار بالبشر» و«إدخال دبابة إلى التراب الوطنی»، إلخ.
وكم أبقى مبهورا أمام قدرات تلك الجهات على إيجاد المبررات القانونية الكافية لتلفيق التهم عند الاقتضاء، إلى درجة أنهم استطاعوا محاكمة أكثر من ألف شخص عقب أحداث الدار البيضاء سنة 2003، وكأن تدبير وإنجاز تلك الهجمات استوجبا مشاركة كل هؤلاء الأشخاص. فحسب المعلومات المتداولة عالميا، لم يحدث أن ألقي القبض على أكثر من ألف شخص إثر أي حدث إرهابي مهما كبر حجمه. لم يحدث هذا حتى في مصر السيسي. فكم من أحداث أكثر فظاعة جرت في عدة مناطق عبر العالم، ولم يتعد عدد المتهمين العشرين في أقصى الحالات.
فسبحان الله، صدق من قال إننا في بلد المتناقضات بامتياز، لا يضاهيه بلد آخر، فهو بلد الأحرار الذين استطاعوا الذود عن حرية بلادهم أكثر من اثني عشر قرنا من الزمن، وهو نفسه البلد الذي يحرم فيه على أولئك الأحرار مجرد التعبير عن رأيهم عندما لا يتماشى مع رأي حكامه.. *
سفير سابق