حدت هدا مند خمسين سنة كنت بمكتبي عندما اتصل بي المرحوم علي بنيعيش الحاجب الملكي آنذاك والذي تربطني به علاقة قرب وصداقة ليقول لي انني مدعو للغداء من طرف الجنرال مولاي حفيظ العلوي الذي سيكون صحبة ابنه مولاي عبد السلام بعد ان اخبرني ان هذا الأخيروصل مؤخرا من امريكا لقضاء عطلته السنوية.وفسر لي ان الجنرال حاول إقناعه بالعودة النهائية للمغرب دون جلوي . وأنت الان مكلف بمهمة إقناعه بالبقاء ببلاده حيث ينتظره مستقبل زاهر. وأنا واثق من قدرتك على إقناعه بدالك لمعرفتك الواسعة بظروف النهضة التي يعيشها المغرب والفرص التنموية المتاحة لأطره ، لذلك أنا من اقترحت اسمك علي الجنرال و ستأتي سيارة من التشريفات بعد نصف ساعة لأخدك لبيته . لم يترك لي رحمه الله مجال لأعطيه رأيي في الموضوع .
تصوروا وأنا استقبل بحفاوة من طرف الجنرال بمقر سكنه الفاخر ،هومدير التشريفات الملكية ووزير البلاط الملكي ورئيس التشريفات لاحقا وأنا مجرد رئيس مصلحة بوزارة الصناعة ، ان اجد نفسي على مائدة غدائه صحبة ابنه لاغير.
لقد تحاشي الجنرال فتح اي موضوع طيلة الغداء وفضل الانسحاب بمجرد الانتهاء من اخذ القهوة متعمدا تركنا لوحدنا في تلك القاعة الكبيرة نتبادل النظرات دون ان يجرؤ أحدنا على مخاطبة الآخر .وبعد صمت وترقب وقف مخاطبي وقال * ماريك لو ناخد القهوة بمطعم لا دولشي فيتا بالمدينة ؟ اخدني معه على متن سيارة رياضية ذات مقعدين وبمجرد ان انطلق حلق في وقال* اعتقد انك لم يسبق لك أن تعرفت على الوالد قبل اليوم ؟ فقلت نعم بدون تردد، وذلك لقناعتي الراسخة منذ سنين ان احسن وسيلة في أوضاع كهذه هو الالتزام بقول الحق انطلاقا من تلك المقولة *لو علم الناس ما في الصدق لاتخذوه حيلة *
وهي مقولة قرأتها وأنا في الكوليج بالدار البيضاء أواخر الخمسينات وضللت أعمل بها كمنار يضيء لي الطريق كلما وجدت نفسي في وضعية طارئة صعبة او ورطة من الورطات الغير منتضرة
وكم هي كتيرة المواقف المحرجة التي عشتها بمحض الصدفة هذه إحداها.
حكيت له كيف اتصل بي الحاجب الملكي وهومن أقاربي ومادا كلفت به بطلب من ابوه . قال وكيف تنوي إقناعي فقلت أنا لا أعرف عنك شيئا باستثناء انك الابن البكر للجنرال وانك درست بأمريكا وتعمل بها فقال هذا صحيح وانا سعيد هناك كوني تكيفت مع ظروف العيش هناك ككل الناس،اعمل كإنسان عادي في مؤسسة كبيرة، أتدرج في العمل حسب مؤهلاتي ونتائج عملي لا حسب نسبي ولا على علاقتي بالعائلة الحاكمة فانا اريد ان انجح بقدراتي و بجهدي لا لكوني ابن الجنرال .
انبهرت بهذا الموقف العجيب من إنسان يخول له موقفه الاجتماعي الوصول لأرقى المناصب بدون عناء ويرفضه مفضلا العمل في مناخ ساخر كله مشقة وعناء .
فلم أتردد في التعبير له عن إعجابي بموقفه النبيل هذا، واضعا خلفي المهمة التي كلفت بها والتي قد يؤخذ على عدم التوفق في إنجازها
تحدثنا كيف يعيش المغرب تلك الفترة الخطيرة من حالة الاستثناء في ظروف أمنية وماد ية مزرية وكيف تم ايقاف المساهمة السنوية الفرنسية في ميزانية ألدولة كرد فعل علي عملية اختطاف الزعيم بنبركة بباريز،دون الاعلان هن دالك، جعلت المغرب يخضع معظم استيرادا ته الى نظام الرخص حيث كنت شخصيا مكلف بتوقيع تلك التراخيص التي كانت تشمل حتى الات التجهيز و المواد الأولية وحتى قطع العيار للمعامل الصناعة المغربية
واختتمت كلامي
*أنا متفق معك مائة في المياة وربما لوكنت محلك لا تحدث نفس الموقف ، فهنا الزبونية في أوجها والنجاح لا يقاس بالقدرات ولا بالمردودية الا نادرا . اهنئك من كل قلبي *
شد على يدي مطولا دون تعليق تم انسحب بصمت .
ولم التقي به منذ ذلك التاريخ الي ان حضرت جنازته أواخر سنة 1985 اي بعد ربع قرن من الزمن حيث توفي بالمغرب في ظروف غامضة وعمره لم يتعدى الستين سنة.
رجل من كبار رجال السلطة وأحد كبار المقربين من المغفور له الملك الحسن التاني بصفته وفي بداية عملي بالادارة العمومية ؟ومادا بإمكاني ان أقول لابن هدا الجنرال والدي لايعرفه مسبقا عن المغرب هو الدي ترعرع في الأوساط الحاكمة ودرس باميركا وربما يكبرني سنا حيت كنت في اواسط عقدي التالت .
يتبع